القضاء والقضاة !!!!!

كنا ومازلنا نبجّل ونحترم القضاء والقضاة ، أخلاقنا وشرائعنا السماوية تلزمنا بأن ننزل القاضي منزلة تضفي على قراراته هيبة تجبر المتنازعين على احترامها وتحُول بينه وبين التدنّي والمهانة ومردّ ذلك أن القضاء هو المرجع والأساس في فصل المنازعات وإنهاء الخصومات، ويفترض أن يكون عنده الحكم الفصل في إظهار الحقوق وضمانها لأصحابها وفق القواعد والضوابط التي وضعها له الإسلام لتمنع ذوي النفوس المريضة من التطاول والتسلط، وتحفظ الأمة من العبث والظلم .
والقاضي مكلف أن يبذل جهده للتعرف على جوانب الدعوى، ويقضي بحسب ما توصل إليه اجتهاده أنه الحق، وظن أنه الصواب، قال صلى الله عليه وسلم " إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإن حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر"
لكن يبدو أن طيبة شعبنا جعلته يفرط في هذا الاحترام إلى حد وصل في بعض الأحيان لدى بعض الناس إلى مرحلة القداسة والتقديس ، ووقع الخلط بين الاحترام والتقديس ، وهذا خلط مذموم ونتائجه غالبا تأتي معاكسة لمصلحة العدل والحق .
فالمؤسسة القضائية مثلها مثل أي هيئة أخرى فيها الكثير من الشرفاء الذين لا يبيعون ضمائرهم بأي ثمن لكنها كغبرها أيضا ليست محصنة ضد الفساد وعرضة كغيرها لتسرب قلة من المفسدين إليها ، وهنا فإن إضفاء القداسة على الكل يحول دون كشف الفساد مما يؤثر على سمعة القضاء والقضاة ويدمر مع الوقت الثقة في عدل القضاء .
وقد فطن الطغاة في النظام السابق إلى ضرورة استغلال هذه الهيبة وتلك القداسة فسرّبوا بعضا ممن هم على شاكلتهم إلى المؤسسة القضائية وأوصلوهم بشكل أو بآخر إلى مواقع القيادة فتمت لهم السيطرة على الهيئة القضائية ، وأعلنوا الحرب على الشرفاء بطرق ملتوية حتى وصلنا إلى ما نحن فيه اليوم ، وأصبحت كلمة القضاء التي يفترض أن تكون الفصل والحكم ، أصبح لها أكثر من وجه بل عشرات الوجوه بهدف إثارة البلبلة وإفقاد المواطن القدرة على التمييز بين الحق والباطل ، فهذا هو المناخ المناسب لحياة الفساد والمفسدين .
الأيام القليلة الماضية بما صاحبها من أحداث تهتز لها الجبال أثبتت أن معركة الإصلاح التي خاضتها الثورة لها مجالات عديدة ومتشعبة وعميقة بتعدد هيئات الدولة ، لكنني أصبحت على قناعة الآن أن معركة الإصلاح الحقيقية والتي تستأثر بالأولوية المطلقة ستكون في إصلاح القضاء لأن القلة المفسدة في هذه الهيئة الشريفة تتحصن بالقداسة وتستغل انفرادها بالأحكام دون معقب .
حمى الله مصر من كل مكروه ، وأعان أبناءها الشرفاء على إكمال مسيرة الإصلاح الطويلة والشاقة .