الامتداد العمراني

لو تصورنا المساحة العمرانية التي نعيش عليها الآن وكيف كانت قبل مائتي سنة مثلا سواء كنا في قرية أومدينة ، وشاهدنا التوسعات العمرانية الحالية وربطنا بينهما لا ستطعنا أن ندرك كيف نشأت هذه المساحات العمرانية الآهلة التي نعيش فيها حاليا ،.
يزحف العمران على المناطق الخالية باستمرار مع زيادة عدد السكان ، والمنطقي أن المساحات الآهلة التي نعيش فيها الآن وكأنها موجودة منذ بدء الخليقة كانت قبل أقل من مائتي سنة عبارة عن أرض فضاء صالحة للزراعة هاجر إليها البعض من البلاد المجاورة سعيا إلى التوسع ، و كانت الهجرة تأتي من البلاد الأقدم والأقرب على غير ما هو حادث الآن فلم يعد قريبا منا مناطق خالية للهجرة إليها فبدأت الهجرة لمناطق بعيدة نسبيا مثل صان الحجر ، واكثر بعدا الآن مثل بلطيم وألابشو ثم إلى سيناء ، هذه هي سنة الحياة منذ قديم الأزل يضيق المكان بأهله نسبيا فتضيق نفوس البعض به فيقررون الرحيل إلى السعة .
ولو رجعنا إلى قريتنا ميت طريف لنعرف كيف نشأت لوجدنا أن الروايات التى كنا نسمعها تراوحت بين بعض المتشابهات التي لم تختلف كثيرا ، وقد شاهد جيلنا في طفولته بعضا ممن كانوا من أوائل الناس التي قدمت لميت طريف وأذكر منهم المرحوم على عبدالكريم الذي توفي عن مائة وثمانية أعوام ، وكان بيته بجوار بيت الحاج كامل العجمي ، وما حكي لنا أن هؤلاء الكبار حين قدموا كان آخر العمران الموجود هو ديرب الخضر والخاصة الملكية ، وكان أول من سكن ميت طريف هم عائلة العمارات حيث استقروا كجمالين يستخدمون الجمال لنقل المحاصيل الزراعية من الأراضي للأجران وقد كانت هذه هي وسيلة نقل المحاصيل الرئيسية وقتها ، وإقامتهم كانت إقامة مؤقتة بحكم عملهم إلى أن استقر بهم المقام مع توسع الهجرة إلى المنطقة وبدء توافد العائلات ، وقيل لنا مثلا أن عائلة رمضان قدمت من ميت محمود وقيل ميت علي وعائلة المتولي جاءت من ميت عزون وعائلة قورة جاءت من الجزيرة وعائلتنا من منية النصر وعائلة ابو العنين من الكردي وعائلة الذكراوي من ابو ذكري ، أما عائلة السوالمة الكبيرة فقيل لنا أنهم كانو من أثرياء العرب الرحل إلى أن قرروا الاستقرار وامتهان الزراعة ، وقيل أن المرحوم على عبد الكريم من أتباعهم وقيل من عبيدهم ، ولو تتبعنا تسلسل الأحواض الزراعية لعرفنا العائلات التي هاجرت لميت طريف في البدايات ، حيث كانت الأسرة تشتري حوضا زراعيا كاملا ويسجل في الزمام باسم كبيرها ، فتجد حوض رمضان حوض اسماعيل حوض السعيد حوض عيسى وهكذا ، ثم توالت هجرة العائلات تباعا وانخفضت فيما بعد مع ندرة الأراضي الخالية إلى هجرة أجزاء من عائلات ثم هجرة أفراد فقط إما للتجارة او العمل في مهنة معينة ، وأنا من الجيل الذي شاهد ميت طريف عبارة عن مجموعة من البيوت تبدأ من بيت العمدة عزالدين وتنتهي عند بيت الحاج عوض سالم بعمق يصل إلى المنطقة المحيطة بجامع البلد ، ثم تنتقل إلى عزبة خليل افندي وكانت عبارة عن بيت يسكنه عمي ابو شبانة والد الأستاذ عوني شبانة ومخازن الوسية وثلاث أو أربع بيوت صغير خلفهما ، ، وكان يوجد بعد بيت الحاج عوض سالم بمسافة ما سمي ببيت الست وكان محل بيت الحاج عبده ابوعلى الآن وهي من الملاك وكانت والدة الطيار تحسين زكي والعقيد احمد زكي ، حتى الشجرة التي كانت أمام البيت كانت تسمى شجرة الست .
أما الهجرة إلى المناطق التالية لميت طريف بدءا من المحمودية وما بعدها فكانت في أغلبها إن لم تكن كلها عكسية من الاتجاه المعاكس من خط المنزلة ، فأصول أغلب عائلات المحمودية وما بعدها من المنزلة وما جاورها . وهذا يبين مدى شطارة أهل هذا الخط ( خط المنزلة ) فقد قاموا بإعمار منطقتهم بالكامل ثم انتقلوا ليقابلوا امتداد خط طناح من الجهة العكسية.
ومن الطرائف رواية طريفة في سبب بدء أسماء أغلب القرى بالجزء ( ميت ) فتجد ميت سويد وميت فارس وميت طريف وهكذا ، وهذا الأمر منتشر على امتداد منطقة كبيرة جدا حولنا ، هذه الرواية سمعتها من رجل كنت أسكن عنده وأنا في المرحلة الثانوية في ميت رومي ، كان اسمه أحمد عبد الباقي وكان يعمل ريِّس ميزانية ويهوى التاريخ ، قال لي أنه أثناء الفتوحات الإسلامية كانت هذه المساحات غير مأهولة ، وقد توزع الجيش الإسلامي في المنطقة على شكل سرايا كل سرية مائة جندى وتسمى باسم قائدها .
هذا ماسمعته في وقت مضى ، وهو قابل للإضافة وقابل للتصحيح أيضا ، نسأل الله أن تكون فيه فائدة وأن يغفر لنا إن زللنا .
[right]