كيف سأختار الرئيس ؟

كيف سأختار الرئيس ؟

كنت قد آثرت النأي بنفسي عن الحوارات الدائرة الآن حول انتحابات الرئاسة لأن ما رأيته يقبض الصدر ويرفع درجات اليأس إلى معدلاتها القصوى ، ولولا الأمل في الله لآثرت مثل كل العقلاء الابتعاد نهائيا عن ساحات الحوار.
لقد استطاع النظام السابق أن يجعلنا مرة أخرى نصفق له في ثوبه الجديد ، وأن يجعلنا نندفع بكامل إرادتنا لنلقي بأنفسنا في الحفرة التي أعدها لنا ليحكم حصار إرادتنا من جديد ولكن بشكل أكمل وأعنف مما كان قبل الثورة .
كل مافعله النظام السابق أنه انسلخ من جلده القديم بخلع بعض أركانه ثم أبراز التعاطف مع الثورة ومطالبها ، واندس بين تياراتها ليلبس ثوبها ثم راح شيئا فشيئا يوجه دفة الأمور بخبث ودهاء حتى استطاع أن يفلت من المحاسبة كنظام ، بل إن قدرته وصلت إلى حد جعل الأكُفّ ترتفع بالتصفيق لفلوله وجعل الألسن تمتدح هذه الفلول وتنادي بها للقيادة بل وراحت هذه الألسن تكفُر بالتغيير في غير وعي وتطفئ جذوة الأمل في نفوس أهل الثورة .
كنت أتابع من بعيد حلبة النقاشات حول اختيار الرئيس الجديد ، فإذا بالأمور كما كانت ، وإذا بنا نلهث وراء رغبات شخصية ونزعات قبلية ومطامع تافهة ورغبات حاقدة ، و حاولت أن أتتبع بعض الاتجاهات لأستشفّ منها شيئا يثلج الصدر فلم أجد ، فالذي يؤيد هذا لا يعرف لماذا يؤيده ؟ والذي يعادي ذاك لا يملك سببا لمعاداته ، كل ما هنالك عبارات جوفاء تسمع من هنا أو هناك فنرددها في بلاهة كما كنا نفعل في السابق ، أو رغبات بشرية مندفعة خلف المجهول لا تدرك محل خطوتها القادمة .
وخطر لي أن أدلي بدلوي – من بعيد أيضا – حتى لا أتحمل مسئولية السلبيّة في هذا الموقف الكبير الذي يتعلق بحياتنا جميعا والموقف السلبي في هذه الحالة غير جائز مطلقا ، وفي اعتقادي أن قرار اختياري لأحد المرشحين سوف أبنيه على قاعدتين أساسيتين :
الأولى : أن يكون مرشحا له خلفية جماعية كما هو الحال في كل الدول العريقة ، فكل ما عانته بلادنا في كل تاريخها كان سببه حكم الفرد بالرغم من كفاءة ووطنية بعض من حكموا مصر ، لكن الإنسان مهما كانت كفاءته لا يستطيع أن يرى كل شئ ويحتاج إلى المشورة دائما خاصة حين يكون مسئولا عن أمة ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى قد يتحكم فيه هواه أحيانا فتكون بعض مواقفه بمعزل عن الصالح العام ، هذه المرجعية الجماعية غير متوفرة فيما أرى إلا في مرشح الحرية والعدالة بمرجعيته الإسلامية والمرشح المستقل حمدين صباحي باعتبار أن مرجعيته تعتمد على النظرية الاشتراكية الوطنية الناصرية بعد تنقيتها من كل سلبياتها الفردية .
الثانية : أننا نحتاج في المرحلة القادمة إلى من يعيدنا إلى قيمنا الأخلاقية المنهارة ونحتاج إلى توافق تام في إدارة البلاد بين السلطتين التنفيذية ( الحكومة والرئيس ) والتشريعية ( الشعب والشورى ) وهذا المطلب يعطي أفضلية كبيرة لمرشح الحرية والعدالة ، ذلك أن الصدام بين السلطتين سيعيق أي محاولة لدفع عجلة الإصلاح للأمام وسيخلق مناخ فرقة ملائم جدا لمن يريد الهدم في الداخل والخارج بإشاعة البلبلة ونشر الفتن والشائعات كما هو حادث الآن ، ولأن الأغلبية في الشعب والشورى من التيارات الإسلامية فمن المناسب أن يكون الرئيس من نفس الاتجاه على عكس ما يردده الكثيرون ببلاهة من نظريات التكويش والسيطرة ، أو التخويف بسخف شديد من عودة أوضاع الحزب الوطني السابق لأن الأوضاع السابقة كانت تفرض علينا فرضا لكن الأغلبية الآن تأتي باختيارنا ، ونحن أصبحنا من يملك تغييرها في أي وقت .
أما التصويت لأيّ كان ممن عملوا في مواقع مسئولة في النظام السابق فليس له إلا معنى واحدا هو عودة النظام السابق بعد تلوينه وبقاء القبضة الأمريكية والإسرائيلية ممسكة بتلابيب مستقبل هذا الشعب المسكين ، وياليت كل منا يشرح لغيره قواعد اختياراته فقد يساعدنا على فهم أكثر يمكننا من رؤية أوسع واختيار أكثر صوابا ، بعيدا عن الشعارات الرنانة الجوفاء والاتهامات الغير واقعية التي اعتاد البعض ترديدها دون بيّـنة فلا يكتفي بالخطأ في حق وطنه بل يخطئ أيضا في حق نفسه ويثقل كاهله بأوزار هو في غنى عنها .