لا تظلموا الإخوان ( جزء 2 )

لا تظلموا الإخوان ( جزء 2 )
كنت قد أرجأت كتابة الجزء الثاني من هذه السلسلة في تحليل مواقف الإخوان ( الحرية والعدالة ) لعدة أيام لإحساسي أن هناك مستجدات في موقفهم من انتخابات الرئاسة حتى ولو لم يعلنوا عن ذلك ، فمن لديه طرف خبرة سياسية ويتابع أحداث الشهر الأخير والتلميحات والتصريحات المتبادلة بين القوى السياسية المختلفة لا بد أن يشعر بوجود هذه المستجدات .
ولم يمض وقت طويل حتى حدث ما يعتبره البعض مفاجأة ، وهوفي الحقيقة أمر متوقع كنتيجة للأحداث والمناورات الجارية ، لقد قرر حزب الحرية والعدالة الدفع بمرشح يمثله في حلبة الانتخابات الرئاسية وهو المهندس / خيرت الشاطر الذي كثيرا ما كان يلقب بمهندس النهضة ، وكان الحزب قد أعلن في وقت سابق أنه لن يخوض هذه الانتخابات هذه المرة لإتاحة الفرصة لكافة القوى للمشاركة في المرحلة المقبلة الدقيقة لأن مصر الآن تحتاج لكل أبنائها ، وما إن أعلن الحزب بيانه حتى شمّر المعارضون للتيار الإسلامي عن سواعدهم وشنّوا حملة هوجاء عنيفة في محاولة لزعزعة الثقة في الإخوان ، وكالُوا لهم الاتهامات المباحة وغير المباحة ، ومن الملفت أن الإخوان قد قابلوا هذه الحملة بثبات وثقة وأقول أيضا بأدب يتّسِقُ مع منهجهم وعقيدتهم .
ولعلنا بحاجة إلى إلقاء الضوء بشفافية على هذا الموقف آملا أن يناقشه الجميع بشفافية أيضا .
أولا : ليس معنى أن تيارا ما يعلن إحجامه عن خوض سباق ما أنه ليس مهتما به ، فالحرية والعدالة لم يعلن عن عدم رغبته في أن يكون الرئيس منهم لكنه فقط أراد توسيع المشاركة الوطنية في المرحلة الحالية ووضع لذلك ضوابط أهمها أن يكون منهج الرئيس القادم ليس متصادما على الأقل مع منهجهم ، فليس من المعقول أو المنطقي أن أوافق على رئيس لي يناصبني العداء ، لأن المركب لكي تسير يلزمها حد أدنى من التوافق أما التناحر فسيوقفها محلها وربما يغرقها .
ثانيا : أنني أستقرئ ملامح الخلاف الذي أدى إلى اتخاذ القرار وهي تتمركز في خلاف على شكل الحكم في الدستور الجديد هل يكون رئاسيا أو برلمانيا أو مشتركا ، البعض ممن يريدون استمرار صلاحيات النظام السابق كما هي ، يريدونه رئاسيا حتى يفقدوا الأغلبية البرلمانية قيمتها فلا تستطيع إسقاط حكومة ولا محاسبة أي جهة سيادية وبالتالي تصبح أغلبيتهم حبرا على ورق ، في نفس الوقت الذي يبقى من حق الرئيس حل البرلمان في أي وقت ، وأعتقد أن الإخوان لم يقبلوا بذلك لأن معناه تهميشهم انتظارا لفرصة التخلص منهم .
ثالثا : بدأت المعركة بمحاولة البرلمان سحب الثقة من حكومة الدكتور الجنزوري ، وفي تقديري أن الأغلبية كانت تهدف بشكل أساسي لتثبيت هذا المبدأ وإقراره في الدستور الجديد ، وقوبلت رغبتهم بالرفض ممن يريدون النظام الرئاسي متذرعين بعدم دستورية سحب الثقة ، وكأن الدستور الحالي ليس فيه سوى هذه المادة ، وقد خالفوا كل المواد الأخرى بداعي أننا في مرحلة ثورة وأن الشعب هو الذي يقرر ، ثم يرفضون في نفس الوقت ما قرره الشعب حين أعطى الأغلبية للتوجه الإسلامي .
رابعا : جاءت المرحلة الثانية من المعركة لمحاولة توزيع السلطات بين أجنحة السلطة – جاءت عندما بدأ تشكيل لجنة المائة لوضع مشروع الدستور الجديد ، ومع أن هذه اللجنة قد تم وضع ضوابط اختيارها مسبقا إلا أن البعض رفض نتائج هذه الاختيارات بالرغم من شرعيتها ، وتحركت القوى المضادة مرة أخرى بحملة شرسة ضد هذه الاختيارات تارة بادعاء السيطرة عليها من جانب تيار معين ( الأغلبية البرلمانية ) وتارة أخرى بالضغط على بعض أعضائها للانسحاب لمحاولة إظهار أن المعارضة لهذه الاختيارات قوية ، وبالفعل خضع البعض للضغوط بينما تعامل حزب الحرية والعدالة بمرونة شديدة وسمح باستبدال عشرة أعضاء من ممثليه بآخرين من خارجه حرصا على لم الشمل .
خامسا : وجاءت المرحلة الثالثة في ضوء احتدام الخلاف حول مسألة توزيع السلطات من أجل توسيع المشاركة حين حاول الإخوان البحث عن شخصية وطنية معتدلة يدعمونها لا تتصادم معهم مستقبلا ، ولكن كل من تشاوروا معهم تعرّضوا لضغوط من هنا أو هناك لكي لا يتقدموا للترشح ، ولم يكن من بد أمام هذه الضغوط إلا أن يعيدوا النظر في قرارهم السابق والدفع بمرشح منهم ، أي أنهم دفعوا – من وجهة نظري – إلى ذلك دفعا
ولكن
حتى لو كان القرار قرارهم ولم يدفعوا إليه فهذا حقهم ، ولا يعيبهم هم أو غيرهم ذلك ، لأن اللعبة السياسية لها قواعد أخرى ستكون موضوع لقائنا القادم .