الطرف الثالث !!!!!!!

خلال الأحداث المشتعلة التي وقعت في فترة ما بعد الثورة كان يشار دائما إلى وجود أطراف خارجية وداخلية تسعى لزعزعة الاستقرار في مصر مستغلين مرحلة التغيير الجذرية التي تحدث في مصر ، واستخدمت هذه الأطراف وسائل إشعال متعددة أهمها إثارة الفتن والتشكيك في كل النوايا بهدف الوصول إلى فقدان الثقة بين الجميع ، وباستخدام الأموال أيضا إما لشراء النفوس الضعيفة أو استغلال حالة الفقر والعوز لدى شرائح مختلفة في المجتمع أو حتى في تمويل تسليح جماعات متطرفة لها أجندات متعددة .
هذا المحرك للأحداث كان معلوما للقاصي والداني ، لكن كان يشار إليه دائما بالطرف الثالث ، أو كما أسماه بعض المنتقدين باللهو الخفي ، وكانت هذه الإشارات تهدف إلى تجنب المواجهة مع المحرض الرئيسي في فترة لا تحتمل المواجهات ، وهذا في رأيي عين الصواب ومنتهى الحكمة ، وأرسلت معها رسائل عديدة عبر تصريحات إعلامية بأن هذا الطرف الثالث معلوم لدى جهات الاختصاص بالوثائق والصور لعلهم يتراجعون ، واعتبر المحرضون أن هذه التلميحات تعبر عن ضعف وخوف وليست تجنبا للمواجهة ، وراحوا يضغطون على أولى الأمر مطالبين بالكشف عن هذا الطرف الثالث واثقين أن أولى الأمر لن يستطيعوا الكشف عن هذا الطرف فيضعوهم بذلك في موقف محرج أمام شعبهم .
بدأ أولى الأمر بالقبض على الجاسوس الإسرائيلي كإنذار للآخرين ، ولكن الآخرين تمادوا في غيهم واستمروا في ضغوطهم ، ولم يكن من سبيل سوى الكشف عن خطوط المؤامرات والقبض على المتورطين ، وأحدث ذلك مواجهة مع الولايات المتحدة بسبب ضباط مخابراتها المقبوض عليهم متورطين في قضايا سميت قضايا التمويل الأجنبي دون أن يشار إلى نوعية التمويل نفسه وأهدافه ، وقد تدرجت هذه المواجهة في حدتها وتواصلت زيارات المسئولين الأمريكيين لمصر ما بين سياسيين وعسكريين ، وفي اعتقادي _ الشخصي _ أنها كانت عملية ضغط على الأطراف الخارجية للكف عن التدخل لزعزعة الاستقرار في مصر والحيلولة دون إعادة بناء المجتمع الذي قامت من أجله الثورة .
بالطبع جن جنون الغرب وتوالت الضغوط على مصر من كل اتجاه للإفراج عن المقبوض عليهم ، وبلغت التهديدات منتهاها ، بدأت بقطع ما يسمى بالمعونة ثم بقِطَع غيار السلاح ثم بالضغط على الآخرين لمقاطعة مصر اقتصاديا ثم منع البنك الدولي من إقراض مصر وكانت الضغوط ستستمر حتى تصل ربما إلى الغزو العسكري ، ولأن الوقت كما يرى العقلاء ليس وقت مواجهات من هذا النوع لأننا لم نقف بعد على أرض ثابتة ، فقد اقتضى المنطق والعقل أن يكون التصرف عقلانيا في ضوء المعطيات القائمة .
الرسالة وصلت للخارج والداخل ، للخارج بأن مصر مازالت متماسكة وتعي كل ما يدور حولها وما يدبر لها ، وللداخل أن ما قالته القيادة عن وجود طرف ثالث خلف الأحداث حقيقي مما يساهم في دفع تيار الثقة بين الشعب والقيادة إلى الأمام ، وبما أن الرسالة قد وصلت فمقتضى العقل أن تقف عند الحد الذي ترى أن الخطوة التالية ربما لا تكون مربحة ، وهنا يجب أن تحاول الحصول على أقصى فائدة ممكنة من الموقف الحالي ، وأي سلوك غير ذلك يكون عين الحماقة ، وفي اعتقادي _ الشخصي _ أن مجريات الأحداث تشير إلى أن هذا ما حدث ، السياسة ليس فيها مواقف بلا نهاية ، كل موقف سياسي له حسابات تعتمد على قدرتك على الاستفادة القصوى من الموقف قبل أن تضع له نهاية ، وهنا يجب أن نثمّـن سلوك القيادة العاقل ، ونثني على كل التيارات التي تفهمت الموقف كما تفهمت المواقف السابقة خلال أربعة عشر شهرا مضت بعد قيام الثورة ، فشكرا لكل العقلاء ودعواتنا لغيرهم بالهداية.