البطولة مشتركة !!!!

قامت ثورة الشعب المصري في 25 يناير على حكم الاستبداد في مصر ، وكان هذا الحكم قد استحل لنفسه كل شيء وتصور أنه يملك كل شئ دون مراقب أو مراجع أو حسيب ، ومازلت أرى أن هذه الثورة هي وجه جديد لثورة 1952 بل إنها امتداد لها وثمرة من نتاجها .
فالبعض لا يستوعب أن الثورات كما أنها تكون ردة فعل لأوضاع اجتماعية خاطئة استمرت لسنوات أو عقود ، فإن آثارها ونتائجها لا تأتي بين عشية وضحاها بل تستمر في إزالة هذه الآثار لسنوات أو عقود ، وتجني ثمار هذه التغييرات تدريجيا ، وقد تحتاج لفترة في بدايتها تكون كل مكتسباتها فيها معنوية تتعلق بالوطنية والكرامة دون أن تلمس لها نتائج مادية على أرض الواقع ، وحتى ثورة 1952 نفسها لم تكن هي نقطة الانطلاق ، فقد كانت هي الأخرى امتداد لثورات متتابعة قادها محمد فريد ومصطفى كامل وسعد زغلول واحمد عرابي وغيرهم وكانت كلها ثورات من أجل التحرر من الاستعمار أولا ثم التخلص من الفساد المستشري في المجتمع ، إلى أن جاءت ثورة 1952 لتكون إحدى ثمار الثورات السابقة ، لكنها استطاعت أن تحدث الفارق وتغير الأوضاع وتخرج الاستعمار وتبدأ مرحلة البناء الداخلي في ظل حكم مصري .
معركة البناء الداخلي تختلف كثيرا عن ثورات التحرر ، ففي ثورات التحرر يكون الشعب بكل فئاته وطوائفه يدا واحدة في معركة التحرر ، أما ثورات البناء الداخلي فإنها لا تتمتع بهذه الميزة ، حيث تظهر رؤى مختلفة لعملية البناء في كيفيتها وأهدافها وأدواتها مما قد يفسره البعض على أنه انقسامات في المجتمع وهو في الحقيقة من طبائع الأمور بسبب اختلاف الفلسفات والأهداف والأساليب .
في معركة التحرر يكون للكل هدف واحد هو التحرر ، ووسائله معروفة سلفا ومحددة إما بالثورة السلمية من أجل التغيير أو بالكفاح المسلح ، بينما في معركة البناء الداخلي تتنوع الفلسفات ما بين اشتراكي ورأسمالي وشيوعى وليبرالي بل إن البعض لديه فلسفة فوضوية تقوم على الانحلال والتحلل من القيم ، وبالطبع فإن كل فصيل يدافع عن فلسفته ورؤيته ، وأمام ذلك ليس من سبيل إلا أن يتم اللجوء إلى رأي الأغلبية ، وهي مرجعية تعبر عن مدى تحضر الشعوب واحترامها لنفسها .
إن ما نراه في مصر اليوم هو مخاض هذا التنوع في الفلسفات وبالتالي في رؤية الحلول ، ولأننا نمارسه لأول مرة فإن الأصوات مرتفعة بعض الشئ ، وحدّة الجدال تطغى أحيانا على مسار الحوار ، لكن طبيعة الشعب المصري ومخزونه الحضاري الهائل يظهر في حالك الظروف وفي أصعب الأوقات مما يمثل حصنا داخليا ضد الانهيار مازال قائما إلى الآن بفضل الله بالرغم من كل الظروف والأزمات .
ولكي نستبين أهمية هذا الحصن الداخلي علينا أن نتأمل حولنا في منطقتنا على الأقل ، قامت حولنا ثورات في بلاد شقيقة تحولت بفعل فاعل إلى انهيارات وتصدعات أضرّت أكثر مما نفعت ، فقد انحازت الجيوش فيها للحكام وتم استدراج الشعوب للمواجهة مع الجيش لأهداف خارجية نجحت بالكامل ، أما في مصر فقد كان جيشنا مدركا لدوره الوطني فلم ينحاز للسلطة إلى درجة العنف ، والشعب خرج بكامله في ثورته لتغيير النظام لكن حينما تبينت له خيوط الأهداف الخارجية توقف في الوقت الفاصل عن السير في طريق الاستدراج المخطط له لتفتيت دولته وتدمير جيشه لصالح عدو متربص ، فكل من الشعب والجيش كان بطلا يستحق التقدير ويكشف عن حصن الحضارة في نفوس أغلب هذا الشعب .
اللهم احفظ مصر من كل مكروه ، وهيء لأبنائها أمرا رشيدا .