سياسة التفتيت !!!!!

في زمن مضى أصبح يطلق عليه الآن " زمن الاستعمار القديم " كان المستعمر يعتمد سياسة أطلق عليها " فرّقْ تَسُدْ " ، وبموجب هذه السياسة كانت الدول الاستعمارية تنشر الوقيعة بين مختلف البلدان المستهدفة لتحول بين توحدها حتى تتمكن من غزو كل منها منفردا بالطرق العسكرية واحتلالها ، أو على الأقل توقعها تحت سيطرتها وتستغل مواردها ، وقد غابت هذه السياسة الاستعمارية عن الساحة العالمية بعد الحرب العالمية الثانية وانقسام العالم إلى كتلتين متنافستين على السيطرة ، مما جعل سياسة الغزو العسكري لا تؤتي ثمارها لأن الدول الصغيرة المستهدفة أصبحت تلقى الدعم من إحدى الكتلتين في مواجهة الأخرى في ظل توازن دولى جعل سياسة الوقيعة غير مجدية وقد تجسد ذلك في محاولات غزو كوريا وفيتنام ، ولم تعد هذه السياسة إلى الساحة إلا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وانفراد الولايات المتحدة بمقاليد السياسة الدولية ، وظهرت واضحة في غزوين واضحين لكل من أفغانستان والعراق بمشاركة وبمساعدة أشقاء هاتين الدولتين في ظل فرٌق تَسُد .
لكن أسلوب الغزو القديم مع انتشار وسائل الإعلام والاتصال الحديثة أصبح يلقى استهجانا عالميا تحسب القوى الكبرى له حسابا كبيرا بعد أن أصبحت مجازر الحروب تنقل على الهواء مباشرة ويشاهدها العالم أجمع ، وكان على الغرب المسيطر عالميا أن يتخلى عن هذا الأسلوب وينهج نهجا آخر في محاولاته لإحكام السيطرة على العالم .
ولم يكن النهج الجديد وليد اليوم أو وليد الظروف العالمية الجديدة ، لكنه كان قد بدأ في ظل تواجد الكتلتين الكبيرتين بعد أن ضعف تأثير سياسة فرق تسد ، فقد كانت كلتاهما تدعم المعارضة في الدول الموالية للكتلة الأخرى في محاولات مستميتة لبسط النفوذ على أوسع منطقة ممكنة من العالم ، وقد تطور هذا النهج تدريجيا حتى استقر على سياسة جبّارة خبيثة تعتمد على تفتيت داخلي لكل مجتمع يراد السيطرة عليه فيما يسمى " بالفوضى الخلاقة " التي تفقد المجتمع بكامله القدرة على الحركة وتصيبه بالشلل التام فيقع تحت السيطرة التامة دون غزو عسكري مُحْرِجٍ دوليا ، وإذا استعصى الأمر قليلا فلا مانع من غطاء دولي من مجلس الأمن تحت أي مبرر للإجهاز على ما تيقى من روح في جسد الوطن المشلول ، ومن غرائب الأمور أن هذه السياسة نجح أول تطبيق لها في الاتحاد السوفييتي نفسه وتم تقسيمه .
تعتمد سياسة التفتيت هذه على استعداء الكيانات المكوّنة للمجتمع على بعضها البعض واختلاق كيانات أخرى جديدة بمسميات مختلفة تختلق لنفسها ولاءات مختلفة ( مثل روابط التشجيع الكروي مثلا التي تظل كل يوم تنشد أنها على استعداد للتضحية بأرواح أعضائها في سبيل النادي الذي تشجعه أيا كان ) فيضمحلّ تدريجيا الولاء للوطن الواحد ، وافتعال صراعات مصالح ( كأحداث النوبة والضبعة ) وحقوق مصطنعة ( كالمطالب الفئوية المادية أو السياسية ) ، وإحياء صراعات كان التاريخ قد محاها من صفحاته ، وينفقون بغدق على تغذية هذه الكتل الصغيرة وتضخيمها إعلاميا إلى أن تتتوهج الفتنة وتشتعل الصراعات فيبدأ التصدع من الداخل ويتم تأجيجه وصولا لمرحلة الشلل التام للسيطرة على الصيد دون مقاومة ودون إحراج دولي ، بل يكون تدخلهم في هذه اللحظة مرتديا ثوب المساعدات الإنسانية .
ومصر ما تزال إلى الآن في مرحلة التأجيج وما تزال بفضل الله وبفضل مخزون الحب والولاء لدى أغلب أبنائها ما تزال مستعصية على الشلل برغم التركيز الشديد عليها ، وندعو الله أن يرد كيدهم في نحورهم ، وأن يحفظ مصرنا وكل بلاد المسلمين من كل مكروه .