الخيارات المتاحة !!!!!

في خضم تزاحم النقاشات الذي أصبح ينطلق بلا قيود وبلا سقف حاولت أن استجمع وصفا للحالة التوجّهيّة العامة لمختلف الآراء حتى يمكننا أن نستخلص النتائج لنتمكن من معرفة مسارات هذه الآراء وتوجّهاتها ، ذلك أنه إذا استمرت الحوارات والمطالب بهذا الشكل فإن التشتت والتشرذم سيزداد وستتمزق الأمة مع الوقت ليبلغ الأعداء مرادهم .
وبداية يجب أن ندرك أن هذا الوضع يُعد طبيعيا في ظل الظروف التي عاشتها بلادنا في السنوات والعقود الماضية ، وسيتبادر لأذهاننا سؤال منطقي يقول : كيف يكون التشتت أمرا طبيعيا ؟ على أنني ألفت النظر إلى المعنى المراد هو الطبيعي الذي يتناسب مع الواقع الذي عشناه وليس الطبيعي المتفق مع ماينبغي ، لقد عشنا سنوات طويلة في محاولات لصهر المجتمع في إطار فكري واحد دون الأخذ في الاعتبار التباينات بين الناس في رؤاهم وتطلعاتهم وقدراتهم ورغباتهم ، وأدت محاولات الصهر هذه إلى الحيلولة بيننا وبين التنوع الفكري الفطري ، ولم يتمكن أصحاب الفكر المتباين أن يعبر كل منهم عن رؤيته ، فحصلنا في النهاية على شخوص غير قادرة حتى على مجرد إبداء الرأي ، تصفق لباطل وتعارض حقا بيّنا لأنها فقدت في الحقيقة القدرة على التمييز بين الحق والباطل .
لذلك حينما قامت الثورة لم يكن لأغلبنا رؤية واضحة لما يريد إلا أن يثور فقط ، وحينما تحرر سقف الفكر من قيوده التي كانت مفروضة عليه في ظل الدكتاتورية راح الكل يفكر بلا ضابط ولا قيد ، راح ينتقد كل شئ ويسب أي شئ ويطالب بحل أي شئ ، والأفكار حين تنطلق بلا قيد تكون أخطر من قيود الدكتاتورية لأنها تندفع كالطوفان يدمر كل شئ في طريقه ، وأغلبنا لم يدرك ذلك لأنه يعيش حالة من النشوة بتحرره من القيود ربما أسكرته فلم يفكر في أي شئ سوى الحرية والتحرر ، والمصيبة الكبرى تكمن في وجود بعض اليقظين الذين يحاولون استغلال هذه الحالة التي يعيشها الناس لصالج جهات هي بلا شك ضد هذا الوطن وهذه الأمة .
لذلك لا بد من محاولة منهجة هذه الثورة وتحديد مسارات لمطالب الناس وسُقُفا زمنية لتلبية هذه المطالب ولكيفية تحقيقها ، فالحكومة القادمة – أيا كانت - لا تملك كنزا ستعطي منه لمن يشاء ما يريد ، إن الكنز الذي تملكه هذه الحكومة هو هذا الشعب المكافح المحب لبلده ، وهو بكل ما عراه من تشوّهات ما يزال شعبا حيّا يستطيع العودة إلى البناء بأسرع مما يتخيل الكثيرون ، هذه هي الثروة التي سيعتمد عليها الوطن في المستقبل القريب والبعيد ، شعبنا يحتاج فقط لقيادة يثق في إخلاص توجهاتها في العمل لصالحه وفي الحفاظ على كرامته وآدميته .
وفي رأيي أن أمامنا ثلاثة خيارات أو مسارات يستطيع كل منا أن يصنف نفسه تحت أي منها دون أن يصنفه أحد ، لكن عليه وهو يصنف نفسه أن يعرف متطلبات كل تصنيف ، فلا يصلح أن أدخل في تصتيف وتكون سلوكيّاتي متعارضة معه .
الخيار الأول : أن أنطلق خلف هوى نفسي أطلق لها العنان في الانتقاد والمطالب دون ربط بالواقع والإمكانات مستندا على الحرية التى أصبحت في متناول يده ، فلا توجد حرية مطلقة في أي مكان لأن الحرية المطلقة مرادف الفوضى ، والحرية الحقيقية محدودة بالمسئولية .
الخيار الثاني : أن تطلق لنفسك العنان وتتركها تنجرف وراء أهواء شياطين الإنس والجن التي تسعى بكل قوة لحرمان هذا الوطن من الاستقرار انتظارا للحظة التدمير التي يخططون لها ، مرتدين ثياب الفضيلة وأقنعة الوطنية .
الخيار الثالث : أن ترعى الله في نفسك وفي هذا الوطن وتحتمي بحمى الرحمن الذي بيده ملكوت كل شئ وهو وحده القادر على حمايتنا وحماية وطننا مما يُدبّر له ، وأن تعود إلى دين الله الحنيف كما أنزل على نبيه وليس كما يراه المبطلون والمفسدون في هذا الزمان .
كل منا يصنف نفسه حيث يشاء ويتحمل مسئوليته تجاه الوطن الذي يأويه وإلى الرب الذي خلقه .