هل يظنوننا أغبياء ؟

منذ أن تقررت الانتخابات بعد قيام الثورة المجيدة بدأت حملات التشويش بين الفصائل المختلفة ، حاول فيها كل فصيل تشويه الفصائل الأخرى ، وتابعنا جميعا هذه الحملات على مدى الشهور الماضية ، وأغلبنا كان يراقب دون أن ينحاز إلى هذا الفصيل أو ذاك لأنه ببساطة لا ينتمي إلى أي فصيل ، وقد تمكن هؤلاء بحيادهم أن يروا الحقيقة من زوايا مختلفة لأنهم استمعوا إلى الجميع ، وأستطيع أن أدعي أنني تابعت تفاصيل هذه الحملات بدقة كبيرة وبشغف غير عادي وبحيادية مطلقة ، لأنني كنت أحاول أن أرسم صورة في ذهني عن كل أطراف الجدل الدائر لأتخذ قرارا أقتنع به إذا ما قدر لي أن أصوت في الانتخابات ، أو على الأقل أستطيع أن أستشرف لنفسي مستقبل سياسة مصر التي ستحكمنى كمواطن إذا ما آلت أمور القيادة لهذا الفصيل أو ذاك .
وإذا جاز لي أن أقيّم سلوك كل فصيل في هذه الحملات من وجهة نظري الشخصية ، فإنني أستطيع أن أقول بلا مواربة وبلا انحياز أيضا أن الإخوان المسلمين استطاعوا أن يديروا مشاركتهم في الحوارات بشكل ممتاز مبني على ثوابت وقيم بعيدا عن المهاترات والتجاوزات ، التزموا بالحكمة والرقيّ وتجاوزوا كل الفخاخ التي نصبت لهم لاستدراجهم إلى منحدر التجاوزات ، وهذا في رأيي هو الذي أعطاهم هذه الأغلبية في الانتخابات ، لأن الشعب الذي يعتقد محترفوا السياسة أنه ساذج يجري وراء عطايا من هذا أو ذاك ، هذا الشعب أعطى الجميع درسا عظيما أثبت من خلالة أنه يدرس الحملات كلها وأنه يقول كلمته الواضحة الجلية من خلال صناديق التصويت ، فكان هذا التقدم الساحق تقريبا للتيار الإسلامي في مفاجأة أذهلت الجميع ، هذا الشعب العظيم لم يلهث خلف العطاءات برغم حاجته الملحّة لها ، ولم تدفعه الشعارات البراقة عن الحرية والإنسانية والتطور ليبيع مبادئه وقيمه في مقابلها وعلم أن هذه الأمور كلها ثوابت في الدين يمكن تحقيقها دون أن يجنب العقيدة .
هذا التفوق للتيار الإسلامي أصاب التيارات الأخرى بصدمة هائلة فاستجمعوا قواهم وتوحدوا يدا واحدة لمنع وصول هذا التيار إلى الأغلبية التي تحقق لهم إعادة توجيه دفة الحياة في مصر لتساير ثوابت الشريعة التي انحرفنا عنها كثيرا في العقود الماضية ، بل إننا وضعنا لهذه الانحرافات قوانين لحمايتها من العودة إلى المسار الصحيح مرة أخرى ، هذه الصدمة جعلت هذه التيارات التي توحدت للمجابهة تحاول تغيير رؤية التاخبين عبر قضايا قديمة ومستهلكة ولم يدركوا أن هذه القضايا هي سبب سقطتهم وفشلهم أو يدركوا أن هذه سباحة ضد التيار ، وضد مشاعر الشعب المؤمن رغم كل مظاهر التجاوز في المجتمع ، فاتهم أن أولويات المصري مهما كان نظام حياته ومهما بلغت تجاوزاته ومهما كانت ثقافته هذه الأولويات يتقدمها دائما الله والوطن لا ينازعهما شيء آخر في الحياة مهما كانت أهميته ، حتى هؤلاء الداعون إلى التحرر المزعزم لديهم نفس هذه الأولويات ، ربما يكونوا معصوبوا العيون لفترة ما ، ولكنهم إذا تكشفت لهم الحقائق فإنهم سيكونون في مقدمة الصفوف .
هل يعقل أن يتبنى فصيل إخافة الشعب من التيار الإسلامي لأنه سيعيد النساء إلى عفتهنّ بالحجاب ؟ هل يمكن أن نصدق أن العفة أصبحت عيبا نخاف منه ؟ أو يخيفنا من منع الخمر والميسر ، أو يخيفنا من تنظيم السياحة وتخليصها من سلبياتها التي أهانت مصر ودفعت نصف شبابنا إلى تحويل مسار تعليمهم إلى الخدمة الفندقية بعد أن أغلقت كليات التربية واستبدلت بكليات السياحة والفنادق ، وتحول بعض بناتنا إلى بيع الرغبة لبعض السائحين القادمون لهذا الغرض فقط . أو يخيفونا من تحول اقتصادنا إلى اقتصاد إسلامي وتنقيته من شوائب الربا ، ألم يروا كيف يقبل الشعب على الاستثمار في البنوك والمشاريع الإسلامية مما اضطر البنوك الأخرى لإنشاء فروع إسلامية .
أقول ذلك وأنا لا أنتمي لأي فصيل من أي نوع ، ولا أعرف عن قرب أي شخص ينتمي لتيار إسلامي ، إنما هي رؤية لمواطن بسيط من بين المواطنين البسطاء الذين يحاولون إدراك الأمور من منطلق محايد وملتزم ، وإذا ما استمر السابحون ضد التيار في نهجهم هذا فلن يكون لذلك إلا تفسير واحد هو أنهم مازالوا يعتقدون أننا أغبياء ، وسيرد الشعب عليهم عبر الصناديق .