الأخوة الحقيقية !!!!!!!

أصبحنا نقع في حيرة شديدة حين نتعرض لموقف نكون مطالبين فيه بتقرير حق بين طرفين ، يكون أحدهما أخ لنا في النسب ، والآخر أخ لنا في الدين ، هذه الحيرة في الغالب تقودنا إلى قرار خاطئ لا يستند إلى شرع السماء ظنا منا أننا يجب أن نقف بجانب أخوة النسب دون غيرهم ، وهذه الحيرة مرجعها أننا لم نعد نبحث لنعلم ونتعلم ، مما يجعلنا فريسة سلة لحكم الهوى وإغواءات الشيطان فنشرّع لأنفسنا ما قد يخالف شرع الله ويهدم أسس العقيدة .
خطر لي هذا الطرح وأنا أفكر في الطريقة التي سنصوّت بها في الإنتخابات القادمة القريبة لاختيار مجلس نأمل منه أن يقود بلادنا إلى بر الأمان ، ولا أخفيكم أنني أحسست بعدم التفاؤل مع متابعتي للحوارات الدائرة بين مختلف التوجهات السياسية والشعبية ، والتي استنجت منها أن الغالبية ربما لا تعرف حكم الشرع في هذه المسألة الخطيرة التي تعد من القواعد الأساسية للعقيدة ، وربما نعرف الحكم ولكننا لا نعرف أهميته ، وربما نعرفه ونعرف أهميته لكننا لا نطبقه كغالب القيم في حياتنا التى أهملناها وقدّمنا عليها قيما اجتماعية بالية تخالف العرف والشرع معا ، فالعرف إذا اتسق مع القيم الأخلاقية لا يتصادم أبدا مع الشرع ، والتصويت الإنتخابي يضعنا في موقع القاضي الذي يصدر حكما ، وهذا الحكم قد يكون عادلا فيوافق العرف والشرع وقد يكون ظالما فلا يقرُّه عرف سويّ ويعاقب عليه الشرع .
ديننا الحنيف يقدم أخوة الدين على أخوة النسب إذا تعارضتا ، أما إذا توافقتا فلا توجد مشكلة ، بمعنى أنك لو رشح أخوك نفسه ليكون في موقع قيادة أيا كان هذا الموقع وانت تعلم أن هناك مرشحا آخر من إخوتك في الدين أفضل منه ، لا يحق لك أن تعطي صوتك لأخيك في النسب وتترك أخاك في الدين الأكثر كفاءة ، أعلم أنه اختيار صعب وغير مستساغ في ظل مجتمعاتنا التي استطاعت القوى المعادية أن تجذبها كثيرا بعيدا عن قيمنا الإسلامية السامية ، ويعد أن أخذتنا بعيدا أوجدت بيننا قيما تتعارض مع القيم الدينية مثل أخوة النسب والصداقة والقرابة والجيرة والمجاملة ، وهي قيم كلها يقرّها الشرع ولكن في إطار منضبط بالحق والعدل ، لكننا حينما نذهب بعيدا نخرجها من هذا الإطار فيقع المحظور وتصبح هذه القيم هي القاعدة بلا ضوابط .
وحتى نرى جانبا من هذه الصورة المشرقة للقيم الإجتماعية عندما تكون في إطار منضبط من الشرع ، علينا أن نرجع إلى التاريخ الإسلامي ، سنجد فيه مواقف كثيرة ضُبطت فيها هذه القيم داخل إطار الحق والعدل لنتعلم منها ، خاصة في صدر الإسلام وبداية انتشار الدعوة .
ويحضرني الآن موقفا للصحابي الجليل الذي كان يسمى فتى مكة المدلل ، صاحب التاريخ المشرق في خدمة الدعوة في المدينة المنورة ، هذا الصحابي حارب في صف المسلمين طبعا في موقعة بدر وكان أخوه ابوعزيز بن عمير يحارب ضد المسلمين ، وانتصر المسلمون وبينما هو يتفقد الأسرى وبعد انتهاء المعركة مر مصعب بن عمير بأخيه أبي عزيز بن عمير الذي خاض المعركة ضد المسلمين وهو أسير لدى أحد الأنصار فقال له ( أي للأنصاري ) : أشدُد عليه وثاقه فإنّ أمه ذات متاع لعلها تفديه منك؟ فقال أبو عزيز لمصعب: أهذه وصاتك بأخيك؟ قال مصعب: إن هذا الأنصاري هو أخي دونك
هكذا فهم الصحابة معنى أن تضبط السلوك بإطار الدين لمن يريد أن يتعلم الحقيقة لينجو بنفسه من هاوية الظلم