اصبروا !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

كثيرا ما نمرُّ على ذكر الصبر في مطالعاتنا في القرآن والسنة ولا نتوقف عند هذا الخلق الكريم بما يناسب فضله وأهميته ، وقد ورد ذكره في القرآن في أكثر من مائة موضع ، وما ذلك إلا لأهميته ولكونه أبرز الأخلاق وأنّ الأخلاق جميعها تدور عليه وتصدر منه ، فكلما قلّبت خلقا أو فضيلة وجدت أساسها وركيزتها الصبر ، ولا نجاح في الدنيا ولا نصر ولا تمكين إلا بالصبر ، ولا فلاح في الآخرة ولا فوز ولا نجاة إلا به .
يقول أبو طالب المكي : " إعلم أن الصبر سبب دخول الجنة وسبب النجاة من النار ، لأنه جاء في الخبر ، "حُفّت الجنة بالمكاره وحُفّت النار بالشهوات " فيحتاج المؤمن إلى صبر على المكاره ليدخل الجنة ، وإلى صبر على الشهوات لينجو من النار .
وإذا كان للصبر هذه الأهمية وجب علينا أن نعلم ماهو الصبر وما هي أنواعه ومواضعه ، أما الصبر فهو : عبارة عن حبس النفس عن شهواتها ، وأما أنواعه ومواضعه فهي كثيرة بحيث تصل إلى كل سلوك وكل لحظة في حياتنا ، فما بين الصبر على مشاق الطاعة وجهاد النفس ، والصبر عن المعصية ،والصبر على المصائب بأنواعها ، والصبر على الفقر ، وعلى أذى الناس وجهلهم ، والصبر على فراق الأهل والأحبة والأصحاب وغير ذلك كثيرا .
وجميعنا يعلم أن في الصبر مشقة تحتاج إلى مواصفات خاصة تتوفر بدرجات متفاوتة بين شخص وآخر ، مابين الضعف وعدم القدرة عليه إلى العزيمة والقوة والقدرة على مواجهة الصعاب ، وهذه الأخيرة تكون لمن امتلأ قلبه بالإيمان فربط الله على قلبه ، لا فرق في ذلك بين رجل وامرأة فالفيصل الحقيقي هو قوة الإيمان بالله .
وللذين يتذرعون بأسباب واهية حين يجهلون ويجزعون ، نسوق لهم هاتين الواقعتين الشهيرتين : فقد روي أن السيدة أم زُفر رضي الله عنها كانت مريضة بالصرع ، فطلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لها بالشفاء ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن شئت صبرت ولك الجنة ، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك " فاختارت أن تصبر على مرضها راجية الجنة في الآخرة .
وأم سليم زوجة أبي طلحة رضي الله عنهما ، مات ابنٌ لهما ، فطلبت من أهلها ألا يخبره أحد عندما يعود و أن يتركوا ذلك لها ، فجاء زوجها فقرّبت إليه عشاءه ، فأكل وشرب ، ثم لبست وتزيّنت كأحسن ما كانت تتزين قبل ذلك ، وأخذت تلاطفه حتى وقع بها ، فلما رأت أنه شبع وأصاب منها ، بدأت بإبلاغه ، وانظروا وراقبوا حكمتها وجلدها وثباتها ، قالت : يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوما أعاروا شيئا لأهل بيت آخر ثم طلبوا ما أعاروه ، ألهم أن يمنعوهم ؟ أي لا يعطوه لهم ، قال : لا ، قالت : فاحتسب ابنك ، فغضب وقال : تركتني حتى تلطّخْتُ ثم أخبرتني عن ابني ؟ فانطلق حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "بارك الله لكما في غابر ليلتكما" فحملت ، وكانت ثمرة هذه الليلة ابنهما عبد الله الذي أنجب تسعة من الأبناء كلهم قرأ القرآن . أليست الحسنة بعشرة أمثالها ؟ لقد رزقهم الله بولد وتسعة أحفاد عوضا عن احتسابهم الإبن المتوفَّى عند الله .
انظروا كيف كان تصرف المرأتين الأولى رضيت بقضاء الله وتحملت المرض ( وأي مرض ) إنه الصرع حفظكم الله وابتغت الأجر ( وأي أجر ) إنها الجنة جعلكم الله من أهلها ، والثانية لم تلطم الخدود ولم تشق الجيوب ، ولم تستقبل زوجها بالصراخ والعويل ، بل أعطتنا دروسا ربما يعجز عنها الرجال الأشداء في الصبر والحكمة والرضا بقضاء الله وحسن التصرف بثبات ، ثقة منها في أن الله لا يضيع أجر المحسنين في الشكر والصبر فعطاء الله نستقبله بالسرور والشكر ، وأخذه عطيته بالصبر ولنا الأجر ، وفي كليهما كما نرى أجر ، وإن كان أجر الصبر أعظم لأنه يتطلب مجاهدة ، بينما الشكر يكون مصحوبا بالسرور. يقول الشاعر :
عَطِيَّتِهُ إِذا أعطَى سرورًا **** وإِن أخذ الذي أَعطَى أَثَــابَا
فأيُّ النِّعْمـتيْنِ أَجـَلُّ قَـدْرًا ****و أَحْمَــدُ في عواقبها مآبَــا
أَنِعْمَتُهُ التي أهدت سُرورًا ****أَمْ الأُخْرَى التي أَهْدت ثَوَابَا
بَلْ الأخرى وإن نزلتْ بِكُرْهٍ ****أحقُّ بِشُـكْرِ من صَبَرَ احتسايا
فوطِّن اللهم نفوسنا على الصبر على طاعتك والصبر عن معصيتك ، ولا تحرمنا رضاك ورضا من أحبك ، واجعلنا برحمتك من أهل الجنة