من منا لم يفسد ؟

بمناسبة الحملة التي نشنها جميعا على الإفساد والمفسدين في العهد السابق خطر لي أن أنظر إلى القضية بشكل واسع لأرى الصورة بشكل أفضل يتسع فيه مدى الرؤية ليشمل كافة أو أغلب مكونات الصورة مما يجعل الحكم قريبا من الشمول .
تحدثنا جميعا عن فساد النظام السابق وجميع مسئوليه ، وأشبعنا هذ الأمر بحثا وتعليقا حتى تكشف هذا الجزء من الصورة بشكل شبه كامل ، وظهرت المفاسد العظيمة التي ارتكبها هؤلاء والتي لم يخطر ببال أحد يوما أن فسادهم كان بهذا الحجم ، وأن المفسدين كانوا على هذا القدر من التبجح والدناءة ، أصبح الكبير والصغير على علم بهذا الأمر وتفاصيله .
لكننا لم نسأل أنفسنا يوما هل نحن بعيدون عن هذا الفساد ؟ أعتقد أن كل منا يتحمل جزءا من المسئولية ، وأن كل منا قد شارك بشكل أو بآخر ، بقدر أو بآخر ، بعلم أو بغير علم ، مباشرة أو بشكل غير مباشر ، فكيف كان ذلك ؟
حاولت الإجابة على هذا السؤال متتبعا سلوكياتنا في السنوات الماضية عبر شرائح متنوعة من المجتمع ، ولا أخقيكم أنني أحسست وكأنني قد دخلت كهفا مظلما من كثرة ما خطر لي من ممارسات سابقة مارسناها في ظل هذا النظام الفاسد أدخلتنا تحت عباءته ، ممارسات من جميع المستويات المادية والثقافية والعلمية بل والدينية ، ولكثرة الأمثلة التي شاهدتها في هذا الكهف المظلم بما لا يسمح بسردها في هذا المجال الضيق فإنني سأذكر بعضها بشكل مجمل ودون تفصيل .
من بين هذه الصور وأهمها الخوف الذي أدى إلى السلبية ، لقد كنا جميعا نعلم أن الفساد يعمّ جوانب المجتمع ، لكننا لم نتحرك لمقاومته خوفا من بطش النظام ، وهذا الخوف المصحوب بالسلبية شجع عناصر الفساد عل التمادي والتغوّل والفجور ، وهذا شأن كل ظالم دائما ما يتصف بالجبن ولا يستطيع أن يجاهر بفساده وظلمه إلا إذا تمكن من نقل جبنه إلى الآخر ، ساعتها فقط يلبس ثوب الشجاعة .
لم يكتف أغلبنا بالسلبية بل إننا مددنا يد المساعدة للفاسد ووفرنا له البيئة الخصبة لينتشر فساده ويترعرع ، فرُحْنا ننتخب نوابا عنا لكل المواقع من شعب وشورى ومحليات نعلم أنهم غير مؤهلين لتمثيلنا ، كانت لنا اعتبارات كثيرة خاطئة ، والمقدمات الخاطئة دائما ما تؤدي لنتائج خاطئة ، لذلك يشجع المفسدون الاتجاهات التي تأتي بمقدات خاطئة ليستغلوها في زرع الفساد ، وقد تبين ذلك لنا بوضوح تام بعد الإطاحة برؤوس الفساد ، فقد اكتشفنا أن هؤلاء المفسدون قد قنّنوا فسادهم بحيث يسرقون أحلامنا وأقدارنا بالقانون ، فمن الذي وضع هذه القوانين التي تحمي عملية الإفساد ، انهم النواب الذين اخترناهم بأنفسنا ليقدمونا ضحية للمفسدين مقابل بعض الفتات وبعض الوجاهة لهم .
أننا قدمنا في كل الأحوال مصالحنا الشخصية التافهة ، وألقينا وراء ظهورنا مصلحة الوطن التي هي مصلحتنا الحقيقية ، ولمس المفسدون ذلك قألقوا إلينا بالفتات وأحاطونا بالكلمات المعسولة عن الشرف والوطنية وهم أبعد ما يكونوا عنها .
إن من ذهب يوما ينتخب نائبا أو عضوا لمجلس محلي على أساس أنه قريبه أو صديقه وأنه سيمرر له مصالحه عندما يحتاجه فقد أفسد ، من كان اختياره إرضاء لمديره أو صديقه فقد أفسد ، من دافع عن موظف مخطئ لصلة تربطه به أو بأحد أصدقائه فقد أفسد ، من تستر على لص أو بائع مخدرات أو بلطجي فقد أفسد ، من تهرب من أداء الخدمة العسكرية أو أي نداء للوطن فقد أفسد ، من أهمل في أداء واجبات وظيفته فقد أفسد ، من بحث عن واسطة لتجاوز طابور لأي مصلحة فقد أفسد ، من دفع إكرامية ( رشوة ) لأي شخص فقد أفسد ، وهل بيننا أحد لم يفعل ذلك ؟
نماذج كثيرة لو تتبعناها لعلمنا أننا كنا أيضا تحت عباءة الفساد ، والفساد هو الفساد كبر أو صغر
ويلزمنا جميعا أن نصحح سلوكياتنا ، وأن نحاول بقدر الإمكان أن نجعل معيار السلوك هو الحق والعدل ، قد يكون الأمر في بدايته صعبا لكننا مع الوقت سنتعلم وسنخرج تدريجيا من تحت عباءة الفساد ، وهذه هي الترجمة الحقيقية لمقولة أننا أطحنا برؤوس النظام ولم نطح بالنظام نفسه ، هل نعلم لماذا ؟ لأننا نحن النظام ، ومالم نبادر فإن حولنا مفسدون منا يتطلعون لوراثة النظام السابق .
اللهم أبرم لهذه الأمة أمرا رشيدا يعيدها لطريق الصواب