نحن والفكر القبلي !!!!!!!

المتأمل في حال مجتمعاتنا الريفية يستطيع أن يلمح وجه الشبه بينها وبين مجتمعات البادية التي كانت في الجاهلية قبل الإسلام ، لقد عاشت البشرية قبل الإسلام في ظل جاهلية قبلية عنصرية مقيتة تعتنق التمييز العنصري المزعوم الذي يصتف البشر طبقات وقد خلقهم الله سواسية ، وظلت االبشرية تعاني من هذا السلوك البغيض قرون عدة حتى جاء الإسلام بعقيدته السمحاء التي تسوي بين البشر جميعا بصرف النظر عن ألوانهم أو أنسابهم ، ووضعت معيارا واحدا للمفاضلة بين الناس هو معيار التقوى .
وبالطبع فإن المستفيدين من التمييز العنصري حاربوا العقيدة الجديدة التى جاءت لتساوي بين الجميع تعطيهم نفس الحقوق وتكلفهم بنفس الواجبات ، وحاولوا القضاء عليها يوسائل كثيرة يعرفها الجميع ، لكن الإسلام انتصر بفضل الله وعاش المسلمون في ظل مجتمع متميز مترابط متحاب يحفظ للبشر كرامتهم ويساوي بين من كان عبدا ومن كان سيدا ، ويساوي بين الأبيض والأسود ، ويساوي بين العربي والأعجمي ، لا يفرق بينهم جميعا إلا بالتقوى .
وفي ظل هذا المجتمع القائم على العدل والمساواة ، قامت دولة الإسلام وبسطت راية الإسلام في أغلب بقاع الأرض برسالة الحق والعدل والحرية ، لكن بعد وفاة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ظهرت النعرة القبلية مرة أخرى وحدث الخلاف بين المهاجرين والأنصار على أحقية كل منهم بالخلافة حتى تم الاتفاق على أبي بكر خليفة للمسلمين ، وعمل الخلفاء الراشدون من بعده على إذابة هذه العقيدة القبلية ، إلى أن جاءت الدولة الأموية فبدأت ترسّخ لهذا الفكر مرة أخرى وبدأت سلسلة الإنهيار والتشرذم وتوالت إلى يومنا هذا يغذيها أعداؤنا ويساعدهم المنافقون من بيننا .
وحتى اليوم في ما يسمى ثورات الربيع العربي التي كانت فرصة عظيمة لتوحيد الصف العربي ، لكن القوى المتآمرة على الإسلام والمسلمين من الداخل والخارج بذلت جهودا خارقة لتبقى هذه الثورات داخل أطرها القبلية المحدودة بحدود وهمية مصطنعة .
وتظهر افتتاحية الحملات الانتخابية لمجلس الشعب في مصر هذه الأيام تأصّل هذا الفكر في مجتمعاتنا ، وتبرز الإنقسامات القبلية التي جاء الإسلام ليهدمها من الأساس ، فترى الحملات تعتمد على تصنيف المتقدمين تصنيفا قبليا لا يعتمد معيار الكفاءة - الذى هو أساس الاختيار - مطلقا ، فكل قرية تطالب بأن تقف وراء مرشحها وكل عائلة تجند نفسها لمرشح منها بل إن كل منطقة تنحاز لمرشح منها حتى ولو لم تربطهم به أي روابط عصبية وحتى لو كان يفتقر للكفاءة المطلوبة ، وهذه هي روح القبلية الجاهلية القديمة .
ولكي نخرج من هذه الدائرة التي تعيدنا في كل يوم إلى الخلف خطوات ، فإن الدور الأساسي يقع على الطبقة المثقفة التي يجب أن تحمل لواء التوعية بمخاطبة عقول الناس وأفهامهم وليس عواطفهم وأهواءهم حتى يستطيعوا أن يروا الصورة الحقيقية لمصالحهم ، وحتى يصل إليهم أن كون شخص ما لا يصلح لمكان ما لا يعيبه ولا يعيب عائلته ولا يعيب محبيه ، فقد يكون مبدعا في مكان آخر ، والغريب أنك لا تستطيع مثلا أن تختار للمنتخب القومي لكرة القدم لاعبا من كل محافظة أو من كل مركز أو حتى من كل نادي لأن معيار الاختيار هو الكفاءة ويمكن أن يكون أغلب اللاعبين من فريق واحد أو فريقين ما دامت تتوفر لديهم الموهبة اللازمة ، ومع احترامي فهو في النهاية مجرد مجموعة تلعب الكرة ، فهل نطبق معيار الكفاءة على مجموعة لعبة ترفيهية ، ولا نستطيع أن نطبق نفس المعيار على مجموعة تتولى إدارة شئون البلاد بكاملها ؟ أليس هذا من الإسفاف والغفلة ، ألا نستطيع أن ندرك الآثار السلبية للفكر القبلي التي جعلتنا لا نستطيع تطبيق المفاهيم الصحيحة في الأمور الهامة بينما نطبقها في الأمور الهامشية ؟.
وليس هذا فقط في انتخابات مجلس الشعب بل في كل اختياراتنا لكل قياداتنا .
فهل نحاول أن نستوعب هذا الأمر ؟ نتمنى ........