( يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها )

قال أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب : لا تظنوا بي استثقالاً في حق قيل لي ، ولا التماس إعظام لنفسي ، فإنَّ من استثقل الحقَّ أن يُقالَ له أو العدلَ أن يُعرضَ عليه كان العملُ بهما أثقل عليه ، فلا تكفوا عن مقولة بحق أو مشورة بعدل .
وهي دعوة صريحة لأن تعبر الرعية عن رأيها في قضايا الأمة حتى في مواجهة أمير المؤمنين نفسه
من نعم الله علينا أن خلقنا أحرارا و منحنا عقولا ومنحنا قدرة على التفكير ، وترك لنا كامل الحرية حتى في أن تؤمن بالخالق أو لا تؤمن على أن تتحمل مسئولية القرار ، و الإسلام دين جاء ليستنهض فكر الإنسان ، ومع ذلك نرى الإنسان كثيرا ما يتوانى عن التعبير عن آرائه ولا يجهر بها لخوف أو لجهل أو لمجاملة ، وهذا في حقيقة الأمر من أخطر مصائب الأمم ، لأنه ترك للفساد يستفحل ويتجدّر في أعماق تربة الوطن ، لقد كان الهدف من بعثة الأنبياء كما بينه لنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه : (وليثيروا للناس دفائن العقول) ، وجاء في آيات القرآن الكريم أيضا ما يبين لنا هذا النهج (أفلا يتدبرون) (أفلا يتفكرون) (لعلهم يتفكرون) (لعلهم يعقلون) ، فالإسلام يحث على حرية التعبير عن الرأي، أما حالة التواني فهي حالة غير طبيعية ، تصطدم بالفطرة ، لأن الدعوة للفكر وإبداء الرأي تؤدي لتنمية العقول فالفكر كالجسم إذا تحرك ازداد نشاطاً و فاعلية أما إذا جمد و ركد فإن قدراته تضمر ، ومن فوائد تعبير الإنسان عن رأيه أن هذا التعبير هو الذي يظهر كفاءته ويظهر مستواه أمام الناس وأمام الآخرين ، وعلى قدر الحرية المتاحة لأفراد المجتمع للتعبير عن آرائهم يكون تحرك الأمم نحو التقدم والرفاه ، ولئن حاولنا معرفة بعض الأسباب التي تؤدي إلى امتناع البعض عن التعبير عن آرائهم لوجدنا أنها في الغالب تعود إما لضعف في الشخصية أو من آثار التربية القمعية في البيت والمجتمع أو لانتشار ثقافة الصمت في المجتمع مما يقنع البعض باستئثار الصمت على غير الفطرة التي فطرنا الله عليها ، فلم يؤمر في شرعنا بالصمت إلا في مقابل الكلام السئ .
يحضرني كأمثلة على حالات القمع في مجتمعاتنا والتي أدت إلى السلبية موقف ذلك الرجل الذي وقف ليعرض رأيه أمام أحد الرؤساء في مسألة عادية فهبّ فيه ومنعه من الكلام ، وذلك الرجل الذي حاول أن يقدم ملتمسا لأحد الرؤساء أثناء سير موكبه في بورسعيد وكلنا شاهد وعلم بما حدث للرجل وللقيادات التي لم تمنعه ، وكذلك ماعاناه إخواننا الداعون للحكم بشرع الله في سجون الاستبداد على مدى أكثر من ثمانين عاما
وفي نفس الوقت يحضرني موقف نبينا الأمين يأتيه رجل في موقف لو حدث اليوم أمام مسئول بسيط في زماننا القمعي لحدث للرجل مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، دخل الرجل على النبي وقال : يا محمد اعطني فإن المال ليس من مالك ولا من مال أبيك، فغضب بعض الصحابة ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دعوه فإن لصاحب الحاجة مقال .
نحن الآن مقبلون على أول انتخابات بعد ثورة يناير نأمل جميعا منها أن تتمخض عن برلمان على مستوى يؤهله لأن يعيد الحياة إلى شرايين هذه الأمة التي جمدها الفساد على مدى سنوات طويلة ، ولن يتحقق أملنا إلا بالتعبير الحر عن آرادئنا دون خوف أو مجاملة أو حتى سلبية استئثار الصمت ، إن الحياة لن تعود إلينا إلا بسواعدنا وعقولنا ، لا بد أن نزن بميزان من ذهب تلك التأشيرة الصغيرة التي سنضعها على ورقة التصويت ، هي في ظاهرها مجرد جرة قلم ، لكنها في حقيقتها ضربة معول تساهم في بناء مستقبل هذه الأمة أو هدمه ، علينا أن ندرك جميعا أهمية هذا الأمر ، لقد حرّرتكم ثورتكم من الخوف ولا عذر لأحد بعد اليوم .
لنستمع إلى جميع المتقدمين للترشيح ونمحص بعقولنا ما يقولون ، لا نرفض أحدا مهما كان ، ثم لنتحمل مسئولية الاختيار بشفافية ونزاهة وأمانة واضعين في اعتبارنا أمرا واحدا هو المصلحة العامة للوطن وهي التي تحقق المصلحة الشخصية ، أما النظر للمصالح الفئوية القصيرة المدى فهو الذي يدمر الوطن وتضيع معه المصالح العامة و الشخصية
فالآن لا عذر .... الآن لا عذر .... الآن لا عذر