ليالي الذكر !!!!!

موضوع: ليالي الذكر !!!!! الجمعة أغسطس 05, 2011 3:33 pm

ألا ليت هذه الليالي تعود لتعود معها الروحانيات الجميلة والمشاعر الإيمانية السامية الراقية ، ويتقارب الناس في حب خالص بعيدا عن الماديات والمشاحنات الدنيوية الرخيصة .
أتحدث عن ظاهرة جميلة كانت في زماننا الجميل تسمى " المحيه " بالعامية
وهذه المحيا كانت تقام بصفة دورية مرتين كل أسبوع ، ومرة كل سنة
أما المحايا الأسبوعية فكانت تتمثل في اجتماع بعض الصالحين في منزل أحدهم يوم الاثنين والخميس من كل أسبوع لإحياء ذكر الله في نفوسهم أو قل لإحياء نفوسهم بذكر الله ، يتراوح عدد الحاضرين مابين ثلاثين إلى أربعين شخصا يقفون في صفوف طولية حسب سعة المكان ويقف المنشد في نهاية الصفوف مواجها لهم ، وكان المنشد دائما رحمه الله صاحب الصوت الرخيم الشيخ عبدالحميد ابو الوفا عمر .
يبدأ المنشد في الإنشاد ويبدا معه الحاضرون في الذكر مرددين كلمات الذكر المعروف مثل الله ولا إله إلا الله على أربعة أو خمسة أشواط يتناوبون فيها كلمات الذكر بسرعات متصاعدة مع التمايل يمنة ويسرة مصاحبة للإنشاد الرائع فيشيع في المكان نور رباني تهيم معه نفوس الحاضرين في حب الله في مشهد رائع تحفه ملائكة الرحمن ، أعتقد أنه لا يستشعر هذا الجو الإيماني إلا من عاشه على الطبيعة ، كنت وقتها طفلا صغيرا لكنني حين كنت أشارك معهم أشعر وكأنني أحلق في السماء بلا مبالغة .
ما زلت أذكر شخوص بعض الذين اعتادوا الحضور بالرغم من صغر سني وكنت و مازلت أكن لهم ولأسرهم كل الحب والتقدير في حياتهم وبعد مماتهم ، لأن الحب في الله لا يموت والمتحابون في الله لا شك سيلتقون في الآخرة .
وبعد انتهاء حلقة الذكر يجلس الجميع ونور الإيمان يشع من أجسادهم وقد اغتسلوا من أدران الحياة ، ويدار عليهم بلقمة خبز وحصوات ملح كرمز على العهد بالوفاء ، وبعده يتناولون كوبا من الشاهي بالحليب مع شيء من السمر الجاد ثم ينصرفون إلى بيوتهم وقلوبهم عامرة بحب الله يخلدون لنوم هادئ فلم يكن الناس يعرفون السهر الذي أفسد حياتنا الآن .
أما العادة السنوية
فكانت تأخذ شكلا مختلفا مع بقاء الأصل والجوهر كما هو ، فقد كانت ليلة من كل عام تعتبر تتويجا لليالي المحايا الأسبوعية ، ولذلك لم تكن تقتصر على مجموعة من أهل البلد في ضيافة أحدهم وإنما يشارك جميع أهل البلد غنيهم وفقيرهم في استضافة شيخ الطريقة الصوفية ، وكانت وما زالت هذه الشياخة تتوارث في عائلة هيكل في أبو حريز بمحافظة الشرقية مثل الشيخ منصور ابو هيكل والسيخ ثروت والشيخ عثمان والشيخ صلاح .
كان حضورأحد هؤلاء الشيوخ في هذه الليلة يعتبر ليلة عيد ، وكان يحضر معه فيها وفد كبيرمن أتباعه ويحضر أهالي القرى المجاورة للسلام عليه ، وكان ينزل دائما في ضيافة المرحوم الحاج السيد الخولي الذي كان يستعد لاستقباله بتجهيز سرادق كبير أمام بيته ويجهز العشاء له ولأتباعه ، أما أهل البلد فكان كل واحد يستعد بتجهيز أفضل الطعام أيضا لاستقبال الضيوف الوافدين ، فكل بيت يستقبل ضيفا أو أكثر في هذا اليوم ، و بعد تناول العشاء يذهب الجميع إلى السرادق للمشاركة في حلقة الذكر والسلام على الشيخ في ليلة تفيض فيها النفحات الربانية ، ومازالت زيارات الشيخ مستمرة حتى الآن لكن بدون احتفالية فأصبحت تأخذ شكل الزيارة العادية مع بعض الدعوات المحددة وينزل حاليا في ضيافة الأستاذ احمد سعد السعيد منذ وفاة والده الذي كان قد أخذ هذا الأمر على عاتقه بعد وفاة الحاج السيد الخولي رحم الله الجميع ،
و قد ينظر البعض إلى هذه الاحتفاليات على أنها شيء لا لزوم له باعتبار أن البعض يحضر فقط للطعام أو مثل هذه الأشياء التي اعتاد عليها الذين ينظرون فقط إلى الجزء الفارغ من الكوب ، لكن هؤلاء لم يستشعروا يوما الجو الروحاني الذي عاشه الذاكرون ، وهذا الترابط بينهم في اجتماعهم على كلمة الله وتعاهدهم على الوفاء من خلال العيش والملح والتكريم الكبير لشيوخ الدعوة إلى الله والتدافع في إبراز كرم أهل القرية في استقبال ضيوفها من القرى الأخرى ، فما هي الحياة إن لم تكن كذلك ؟