حوار العقلاء ، وحوار الطرشان !!!!

بداية نهنئ أنفسنا وأهلنا وأمتنا بمقدم الشهر الكريم ، شهر الخير والبركة والمغفرة ، ونسأل الله أن يجعلنا من صوّامه وقوّامه وأن يجعلنا من الفائزين فيه بالعتق من النار ,
ولأن هذا الشهر مناسبة دينية عظيمة نحاول من خلالها إعادة وضع أقدامنا على الطريق الصحيح بعد أن نكون خلال عام كامل قد شردنا هنا أو هناك ، فإننا نعود للتحاور والمواعظ لندرك بعض أسباب هذا الشرود و كيف نعالجها وهذا هو حوار العقلاء ، ولا نستطيع أن ننكر أن البعض منا لا يستجيب لهذه الدعوات وبكتفي من الشهر الكريم بمظاهره فقط دون أن يفتح قلبه وعقله ليستمع إلى تقرير عن ما مضى منه خلال عام كامل ليصوّب ما تجاوز فيه وهؤلاء هم الطرشان ، ولا يستطيع العاقل أن يتحاور إلا مع العاقل مثله ، بينما الأطرش لا يتحاور إلا مع أطرش مثله أيضا ، وما دام كلاهما أطرشا فلن يستمع أيهما للآخر ومن هنا سمي حوارهما حوار الطرشان ، حيث تعلو الأصوات ولا يستمع أحد إليها .
والحوار العاقل ، هو الذي يقوم على أساس راسخ ،و يعتمد وسيلة سليمة ، ويهدف إلى غاية نبيلة وارتباط الحوار بمعنى الرجوع عن الشئ وإلى الشئ ، يثبّت في الضمير الإنساني فضيلة الاعتراف بالخطأ ،
إن اللجوء إلى الحوار بدلاً عن الصدام ، هو في حد ذاته تعبيرُ عن نضج فكري ووعي حضاري ، وتصميم على البحث عن أقوم السبل لتجنب الخسائر ، ولتفادي المخاطر ، وللتغلب على المشكلات ، ولمعالجة الأزمات أو إدارتها ، بعقل متفتح ، وبضمير حي
وأنت أخي الكريم حين تحاول أن تتحاور ستكون أمام واحد من ثلاثة :
أولا : محاور عاقل يفهم المعنى الحقيقي للحوار الذي يقوم على الاحترام المتبادل ، والإنصاف والعدل ونبذ التعصب والكراهية وهذا الحوار سيكون مثمرا للمتحاورين .
ثانيا : محاور عاقل يحتاج إلى أن يتعلم ، والتعاون معه واجب شرعي يؤجر صاحبه من الله سبحانه ونعالى .
ثالثا : محاور جاهل معصوب العينين ، فليس لديه علم ولا عقل ، مهما سقت له من براهين وأدلة لا يستفيد منها ، لكن تبقى رسالة العقلاء أن يستمروا في المحاولة معهم لعل الله يمن عليهم بالفهم يوما كما أن استمرار التحاور يثري الحياة الفكرية بصرف النظر عن النتائج .
وقد كان الإمام الشافعي رحمه الله يقول : إذا خاطبني عالم غلبته ، وإذا خاطبني جاهل غلبني ، لأنه مع العالم سيقرع الحجة بالحجة وسيستجيب كلاهما للحجة القوية دون تردد لأن كلاهما ينشد الحقيقة ولا ينتصر لنفسه ، أما مع الجاهل فلا حجة تنفع لأنه لا يهتم بالحجة ، كيف يهتم جاهل مغلق العقل معصوب العينين بمبدأ الحجة والبرهان .
ولكي نقرب القضية بشكل عملي نفترض حوارا بين عاقل لديه الحجة يحاور من أجل الوصول للحقيقة ، ومحاور جاهل فد يكون لديه شيء من الحجة تدعم فقط ما قد انغلق عنده عقله وانعقد لسانه لا يجاوزه أبدا ، ربما يبدأ الحوار حجة بحجة في مراحله الأولى حتى تنتهي حجج الجاهل وتتوقف قدرته على الحوار فلا يجد أمامه إلا أن يحاول دفع الأمور بعيدا عن موضوع الحوار ويدفع بقضايا بعيدة عن أساس الموضوع حتى يحاول ولو في الظاهر أن يشعر بمعادلة الكفة وهو في حقيقة الأمر يتهرب من مواصلة الحوار ، مثل أن يكون محاوره العاقل فقيرا فيحاول أن يسلبه الحق في التحاور لفقره ، أو يكون عاجزا فيركز على عجزه ، أو أقل منه سلطانا فيجره إلى قضية انت مين الشهيرة ، وحتى لو لم يكن في العاقل شيء من هذا فإن الجاهل يحاول إلصاق أي شيء به حتى ولو بالتزوير ليوقف الحوار الذي عجز عنه .
وعلى الرغم من ذلك ، فإن الحوار يجب أن يستمر لأنه ليس دعوة ، ولا مناظرة ، ولا مجادلة ، ولكنه صيغة جامعة ، وأسلوب من أساليب التقارب والتجاوب والتفاعل لا غنى عنها لأي مجتمع ، من أجل نشدان الحق والبحث عنه ، والسعي إلى الحقيقة والتماسها ، والقصد إلى ما فيه الصالح العام من شتى الطرق التي ليس فيها انحراف عن محجة الشرع ، وبمختلف الوسائل التي تحقق مصالح العباد والبلاد ولا يجب السماح للطرشان أن يوقفوا الحوارات أو أن يحولوها لقضايا واهية لتحويل الأنظار عن عجزهم عن الفهم .
اللهم أعنا على الفهم لنحسن ذكرك وشكرك وحسن عبادتك .

حوار العقلاء ، وحوار الطرشان !!!! 776104575

» الدكتور سالم توفيق البسيوني (حوار)