كيف نختار نائبا ؟

لا شك أن كل يوم يمر يقربنا من القرار الصعب الخاص بانتخابات مجلس الشعب ، ومكمن الصعوبة في أن هذه أول انتخابات في ظل ظروف ما بعد الثورة ، نفوسنا مملوءة بالأمل وأعيينا متعلقة بالمستقبل وسقف طموحاتنا قد ارتفع إلى عنان السماء .
ولكي نتبين وجه الصعوبة يجب ان نعلم الأحلام الكبيرة تأخذ أصحابها وتحلق بهم بعيدا جدا عن أرض الواقع...... ، ينعمون بأحلامهم بعيدا كنوع من التعويض عن سنوات اليأس والضياع التي عاشوها ، تماما كشارب الخمر الذي يعيش أحلامه ويرى الدنيا بمنظار الغائب عن الوعي أو النائم الذي يرى حلما جميلا يعيشه فقط وهو نائم وفي كل الأحوال سواء كانت أحلام يقظة أو غياب عن الوعي أو أحلام نائم فإن لحظة اليقظة هي أصعب مافي الأمر لأنها تكون لحظة الاصطدام بالواقع أيا كان .
وفي حالتنا هذه فإن طموحات الشعب بعد الثورة شابها بعض الخيال حيث تصور الناس أن الدنيا حولهم قد أسفرت وأنورت بعد التخلص من رموز الفساد في ثورة أذهلت الجميع في الداخل والخارج ، وربما نسي مع ذهوله أن جذور الفساد ما زالت ممتدة في باطن الأرض ستخرج علينا بنبتتات فساد جديدة تعيدنا في وقت آخر إلى ما كنا فيه
إن القضاء على هذا الفساد يتطلب التحلص من جذوره الممتدة في باطن الأرض وذلك يتطلب منا جهدا مضاعفا وتضحيات هائلة جديدة ، وهذا هو التصادم الذي قصدته في حديثي ، حيث تصور الناس أنهم بعد الثورة سيعانقون الرخاء والأمان والسعة والحرية وكل شئ جميل رأوه في أحلامهم ، فإذا بهم مطالبون بتضحيات جديدة ومجهودات مضاعفة قد لا يجنون هم ثمارها إنما قد يجنيها البعض من أبنائهم وأحفادهم ، إنه تصادم هائل ومحبط ان تحلم ثم يتحول حلمك من حصد إلى تضحيات وجهد ثم لا يمهلك العمر حتى تجني شئا من ثمن عطاءاتك ، لكن هذا كان على مر التاريخ هو قدر الوطنيين المخلصين للوطن والمؤمنين بربهم الذي جعل الدنيا لهم دار عمل فقط وليست دار جزاء .
وخطوتنا الأولى في سبيل استئصال جذور الفساد الذي ثار شعبنا علية تأتي في وضع أول لبنة من لبنات البناء ، وهي اختيار نواب عنا في البرلمان ، وسنقرر من خلال هذه الخطوة إن كنا سنضع أساسا سليما لرحلة البناء الطويلة ، أم أننا سندخل أنفسنا مرة أخرى في دائرة الفساد اللعينة .
علينا أن نتحرر من كل قيود الاختيارات السابقة وأن نضع مصلحة الوطن نصب أعيننا وفوق كل اعتبار ، ثم علينا أن نفهم وندرك وظيفة النائب الذي نختاره لينوب عنا فهو يساهم في سن القوانين ومناقشة ميزانية الدولة ومحاسبة الحكومة على أدائها ومناقشة المشروعات القومية الكبيرة لكي نختار عنا من يستطيع أن يفعل ذلك ، أما الذين يدخلون البرلمان للوجاهة العائلية أو للتصفيق للحكومة والتأمين على كل ماتقوله فإن هؤلاء يحولون البرلمان إلى صالة أفراح الكل يأكل فيها ويرقص ولا مانع أن يغني في حب مصر ، لا يجب أن يكون بين نوابنا أحدا ممن أفسدوا حياتنا وصادقو على القوانين المعيبة وصفقوا للحكومات الفاسدة بل وقننوا لها الفساد ، حتى لو كان أحدهم أعز الأعزاء ، لأنهم هم جذور الفساد التي تنتظر الفرصة لإعادة الفساد لحياتنا .
هذا وإلا فإننا سنفيق من حلمنا على صدمة هائلة الله وحده يعلم كيف ستكون نتائجها .